اليمن وحيداً وأعزلاً في مواجهة كورونا

اليمن وحيداً وأعزلاً في مواجهة كورونا

منذ نهاية مارس| أذار الماضي وأخبار الموت لا تفارق حياتنا جراء تفشي فيروس كورونا، ففي حينا المتواضع تتصاعد وبشكل يومي مكبرات الجوامع القريبة بتلاوة القرآن معلنة وقوع وفيات جديدة في محيط الجامع. فيما ينقل لي زوجي، يوميات الرعب في حينا: رجل وزوجته أصيبا بفيروس كورونا في المبنى المقابل لمنزلنا، فحجزا نفسيهما في المنزل وحيدين ينتظران مصيرهما، وفاة سيدة عجوز أصيبت بكورونا وأنكرت اسرتها الأمر، وفي مجلس العزاء اصيب العشرات من المعزين بالفيروس وتم تطويق الحي ومداهمة المنازل، قصة المبنى الذي عاني سكانه بسبب وجود حالة اصابة بكورونا، حيث كلفت سلطة الأمر الواقع في صنعاء طقماً عسكرياً بمنع سكانه من مغادرة المبنى، والزموا سكان المبنى بتقديم وجبات الغذاء للجنود. علاوة على أخبار الموت جراء الحرب، تحول تفشي وباء كورونا إلى رعب يومي يرهق حياتنا، إذ أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي اليمنية نافذة يومية للموت، مئات التعازي تنعي أصدقاء وأقرباء، ومواطنين ماتوا بفيروس كورونا وآخرين لا يتم الإشارة إلى سبب وفاتهم. أما سلطات الحرب فاكتفت باعلانات توعوية تدعو المواطنين إلى غسل أيديهم بالماء والصابون، فيما لا يجد معظم اليمنيون ما يسد رمقهم. 

من المهام الرئيسية لأي سلطة سياسية في العالم توظيف مقدرات الدولة لضمان حماية مواطنيها في مواجهة الأوبئة، والتعاطي مع التحديات الإنسانية المترتبة على ذلك، بحيث تحد من نسبة الوفيات، إلا سلطات الحرب في اليمن التي ضاعفت سياستها الفاشلة من موت اليمنيين جراء فيروس كورونا، فمع كون اليمن، بيئة مثالية لتفشي الأوبئة التي تسببت مقتل اليمنيين، كوباء الكوليرا وحمى الضنك والشيكونفونيا" المُكرفس"، والملاريا، وذلك نتيجة لاستدامة الحرب وتردي الأوضاع الإقتصادية والصحية، فإن سياسة سلطات الحرب وكذلك الدول المتدخلة في اليمن لعبت دوراً كبيراً في فرض الموت كخيار وحيد لليمنيين.

لا يمكن فهم فداحة الأوضاع المأساوية التي يعيشها اليمنيون اليوم في ظل تفشي فيروس كورونا دون إدراك النتائج الإقتصادية المترتبة على الحرب، فقد نتج عن الصراع على السلطة بين جماعة الحوثي والسلطة الشرعية ممثلة بالرئيس "عبد ربه منصور هادي"، استنزاف موارد الدولة، بالإضافة إلى استيلاء جماعة الحوثي المدعومة من إيران على احتياط البنك المركزي اليمني في صنعاء، بحيث عجزت الدولة عن سداد رواتب الموظفين الحكوميين، فيما ضاعف التدخل العسكري في اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، من المشكلات الإقتصادية والإجتماعية في اليمن، حيث دفعت الحرب بأكثر من نصف السكان إلى خط الفقر، جراء توظيف أطراف الحرب للإقتصاد في صراعها ضد خصومها؛ كما تسببت الحرب بنزوح أكثر من أربعة ملايين يمني في الداخل، يعيش أكثرهم في مخيمات النزوح في أطراف المدن، ويعتمدون على المساعدات الإغاثية المتقطعة، كما دمرت أطراف الحرب البنية التحتية، بما في ذلك استهداف المرافق الصحية، الأمر الذي حرم كثير من اليمنيين من تلقي العلاج في هذه المرافق، إضافة إلى الأجندات السعودية الإماراتية في اليمن، وكذلك تصاعد الصراع الخليجي بين السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة ثانية والذي نتج عنه عم قوى مليشاوية محلية موالية لها تنافست على اقتسام موارد الدولة، فضلاً عن خصخصتها لبعض القطاعات الحكومية، واعتمادها على اقتصاد الحرب الناتج عن توظيف الأزمات الإنسانية لاستدامة حروبها، مقابل افقار اليمنيين.

في العاشر من شهر أبريل| نيسان الماضي، أعلنت السلطة الشرعية المعترف بها دولياً تسجيل أول حالة اصابة بفيروس كورونا في مدينة حضرموت، لتصل حالات الإصابة حتى العشرين من شهر يوليو| تموز إلى 1619 حالة اصابة و447 حالة وفاة، و714 حالة شفاء، بحسب التقرير اليومي للجنة الوطنية العليا لمواجهة وباء كورونا، إضافة إلى ثلاث حالات إصابة ووفاة واحدة أعلنتها سلطة جماعة الحوثي في المناطق الخاضعة لها، وتشير هذه الأرقام إلى مؤشرات عديدة، إذ أن ارتفاع نسبة الوفيات جراء فيروس كورونا قياساً بالأعداد المعلنة لحالات الإصابة في اليمن ومقارنتها بالدول الأخرى، تحيل إلى تصدر اليمن نسبة الوفيات في العالم أي نسبة 25% بعد أن كانت 20% في الأشهر الأولى من تفشي الوباء، متجاوزة المتوسط العالمي البالغ 7%، بحسب الأمم المتحدة، وهو ما يؤكد أثر الوضع الإقتصادي على تدني مستوى المناعة لدى اليمنيين وتضاعف حالات الوفيات، إضافة إلى واقع المؤسسات الصحية في اليمن، حيث تشمل الوفيات المعلنة جميع الفئات العمرية، بما في ذلك الأصحاء وليس فقط الذين يعانون من أمراض مزمنة، مما يجعل معظم اليمنيين عرضة للموت جراء الفيروس، إلا أن الأخطر من ذلك هو بكون الأعداد المعلنة لحالات الإصابة والوفيات والتعافي لا تكشف عن حقيقية تفشي فيروس كورونا في اليمن، فبحسب رصد حالات الوفيات والإصابة في المناطق اليمنية فإنها قد تصل إلى عشرة أضعاف الأعداد المعلنة، إذ تعمدت سلطات الحرب اخفاء الأعداد الحقيقية لحالات الإصابة والوفيات الناجمة عن فيروس كورونا في المناطق الخاصعة مما أثر على تعامل اليمنيين مع الوباء، كما أن الحالات المعلنة عنها اقتصرت على الحالات التي رصدتها مستشفيات العزل في الحواضر اليمنية، مما يخرج الأرياف ومخيمات النزوح عن نطاق هذه الإحصائيات، ومن ثم لا تصل إلى مسشفيات العزل في المدن إلى الحالات الطارئة فقط، بالإضافة إلى أن تعدد سلطات الحرب وتعدد جهات الرصد في السلطة الواحدة فرض عدم شفافية احصائياتها، وكذلك  عجزها بسبب ظروف الحرب عن رصد حالات الإصابة في المناطق المتطرفة، وكذلك عدم توفر فحوصات كافية لفحص كل حالات الإصابة في اليمن، كما أن تعاطي سلطات الحرب مع المصابين، جعل كثير من الأهالي يرفضون ايصال ذويهم المصابين إلى مستشفيات العزل.

تتحدد خارطة انتشار فيروس كورونا في اليمن وفقاً لمناطق سلطات الحرب وكذلك مناطق المواجهات العسكرية، وفيما تختلف إدارة سلطات الحرب لأزمة فيروس كورونا في المناطق الخاضعة لها، فإنها تشترك في سوء الإدارة وكذلك تنصلها عن مسئولياتها في حماية اليمنيين، حيث اسهمت سياستها في نشر الوباء من الحواضر اليمنية إلى الأرياف النائية التي كانت آمنة نسبياً، كما نتج عن تجاهل سلطات الحرب لايجاد حلول للأوضاع الإقتصادية القاهرة التي يعيشها اليمنيين عجز المواطنين عن خلق بدائل تمكنهم من حماية انفسهم في مواجهة الوباء، إضافة إلى أن تنازع السلطة بين قوى سياسية متنافسة أفضى إلى تشتيت جهودها في مواجهة فيروس كورونا، وتمظهر ذلك في غياب استراتيجية يمنية موحدة للتعامل مع الوباء، بحيث اعاق ذلك وجود خطط للاستجابة السريعة لعلاج المصابين، كما عجزت سلطات الحرب عن تأمين المناطق المحاذية لمناطق سلطاتها، حيث شكلت هذه المناطق جغرافية انتقال الفيروس عن طريق المتسللين من منطقة يمنية إلى أخرى، وأدى ذلك إلى اتساع جغرافية الوباء في اليمن، وفشل سلطات الحرب في السيطرة عليه، مع ضعف الإمكانيات الصحية.

تدير السلطة الشرعية اليمنية المعترف بها دولياً، والمدعومة من السعودية، المناطق المحررة اسمياً، حيث ينازعها المجلس الإنتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، السلطة في جنوب اليمن، الذي يسيطر على مدينة عدن، ومدينة لحج ومدينة الضالع وجزيرة سقطرى، وهو ما أدى إلى تعطيل مهام الدولة في هذه المناطق عن مواجهة تفشي فيروس كورونا، كما نتج عن تحول مدينة "أبين" مسرحاً يومياً لمواجهات عسكرية بين القوتين المتصارعتين، إلى عجز المؤسسات الصحية في مناطق المواجهات عن علاج حالات الإصابة، إضافة إلى فرض حزب التجمع اليمني للإصلاح، "الإخوان المسلمين في اليمن"، المدعوم من دولتي قطر وتركيا، والموالي للسلطة الشرعية، سلطة أمر واقع في بعض المناطق المحررة، بحيث أصبحت السلطة الشرعية عاجزة عن الزام هذه السلطات بتنفيذ اجراءات لمواجهة تفشي فيروس كورونا، كتقييد حركة المواطنيين ومنع التجمعات الدينية والإجتماعية، بحيث احتكمت السياسة العامة لهذه المناطق لسلطات الأمر الواقع ومصالحها في المقام الأول، الأمر الذي ضاعف من انتشار فيروس كورونا في المناطق المحررة.

لم يكن فشل السلطة الشرعية في إدارة أزمة فيروس كورونا في المناطق الخاضعة لها سوى انعكاس لضعفها، فبالإضافة إلى عجزها عن تنفيذ الإجراءات الإحترازية التي أعلنتها في ذروة تفشي الوباء، فإن سياستها الصحية المعلنة أعاقت من فرص السيطرة على الوباء، ففي حين ظلت المنافذ البرية والأجواء اليمنية والبحرية تخضع لقرار السعودية، بحيث استمرت في استقبال القادمين دون توفير أماكن عزل للمرضى وفحص القادمين، فإن السلطة الشرعية وجهت امكانيات الدولة في كسب جولات الصراع على السلطة في جنوب اليمن ضد القوى المتنافسة معها، الأمر الذي أثر على أدائها في مواجهة تفشي الوباء، إذ لم تعمل على تأهيل المستشفيات الحكومية في المدن والأرياف للتعاطي مع حالات الإصابة، بما في ذلك توفير أدوات الفحص، بحيث عجزت المستشفيات عن التعامل مع المرضى، وكذلك حماية الكادر الطبي، كما أن تجاهل السلطة الشرعية للتبعات الإقتصادية المترتبة على الوباء، ضاعف من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والصحية في المناطق الخاضعة لها، الأمر الذي فاقم معاناة المواطنين. بالتوازي مع فشل السلطة الشرعية، فشلت سلطة الأمر الواقع، ممثلة بالمجلس الإنتقالي الجنوبي، في التعاطي مع التحديات الصحية والإنسانية المترتبة على تفشي فيروس كورونا في مناطق جنوب اليمن، وتمثل الأوضاع الإنسانية في مدينة عدن قياساً لهذا الفشل المركب، فعلى الرغم من تدخل منظمة أطباء بلا حدود في إدارة مركز علاج فيروس كورونا في مستشفى الأمل بمدينة عدن، أبان ذروة تفشي الوباء، فإن السلطات المتصارعة لم تتخذ أي إجراءات اسعافية لإنقاذ البنية الصحية المنهارة في المدينة، بما في ذلك توفير الكهرباء في منطقة من أشد المدن اليمنية حرارة، الأمر الذي ضاعف نسبة الوفيات جراء تفشي فيروس كورونا والحميات، بحيث ارتفعت الوفيات في شهر مايو| أيار الماضي إلى أكثر من  1800 وفاة.

بالمقابل، تسيطر جماعة الحوثي المدعومة من إيران على مناطق الكثافة السكانية في اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء، حيث انتهجت سياسية التعتيم الإعلامي جراء تفشي الوباء لضمان استمرار تدفق مقاتليها إلى جبهات الحرب، وكذلك استمرار اقتصاد الحرب الذي تعتمد عليه لتغذية شبكة مقاتليها وإدارة حروبها في مناطق المواجهات، فعلى الرغم من كون مدينة صنعاء أول منطقة يدخلها الوباء في اليمن، فإن الجماعة استمرت في انكار حالات الإصابة، ولم تعلن سوى عن وحالة وفاة واحدة وثلاث حالات اصابة حتى الآن، الأمر الذي أدى إلى تفشي فيروس كورونا في المناطق الخاضعة لها، وتحولت العاصمة صنعاء إلى مدينة موبوءة، فبحسب الاحصائيات التي رصدتها مواقع اعلامية وصحية يمنية محلية، بلغ عدد حالات الإصابة في صنعاء وحدها حتى شهر يونيو|حزيران الماضي إلى 2000 حالة اصابة وثلاث مائة وفاة، بالإضافة إلى عشرات الاصابات والوفيات في المناطق الأخرى الخاضعة لها، كما أن اتساع رقعة المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي قياساً بالمناطق الخاضعة للسلطة الشرعية كشف عجزها عن تطويق الوباء، وعدم قدرتها على تغطية المناطق خارج الحواضر الرئيسية، إذ تفتقر هذه المناطق إلى أبسط الضروريات الصحية في مواجهة الأمراض العادية، فضلاً عن تشكيك الجماعة بمنظمة الصحة العالمية، وتعاطيها السلبي مع منظمة "اطباء بلا حدود"، الأمر الذي أدى إلى تقييد عمل هذه المنظمات في المناطق الخاضعة لجماعة الحوثي، بحيث حرم ملايين اليمنيين من خدمات صحية على بساطتها وعشوائيتها، إلا أنها كان من الممكن أن تُشكل فارقا في تطويق الوباء والحد من الخسائر الإنسانية.

افتقرت إدارة جماعة الحوثي لأزمة فيروس كورونا للمسئولية الأخلاقية والإنسانية، الأمر الذي ضاعف من أعداد الوفيات الناجمة عن الفيروس، إذ تلخصت اجراءاتها الصحية بتطويق الأحياء وتعقيمها دون أن تقوم بحظر كلي لمناطق الموبوءة، مقابل تجاهل تفشي الفيروس والتستر على حالات الإصابة والوفيات، وتعليق فشلها وسوء إدارتها على منظمة الصحة العالمية، فيما كان انتقاءها لمستشفيات العزل في العاصمة صنعاء في وسط تجمعات سكانية يكشف عن لا مبالاتها، حيث أصحبت هذه المناطق بؤر لتفشي فيروس كورنا في الأحياء القربية، الأمر الذي تسبب بوفيات كثيرة في هذه المناطق، كما أن المستشفيات المخصصة للعزل أصبحت عاجزة عن استقبال حالات جديدة، إضافة إلى أن مداهمة جماعة الحوثي لمنازل المصابين في المناطق الخاضعة لها أدى إلى تجريم المرضى، بحيث امتنع كثير من الأهالي عن الإفصاح عن إصابة ذويهم، حيث توفيت حالات كثيرة في المنازل خوفاً من التجريم الإجتماعي الذي يطال أسرهم، إضافة إلى سياستها القائمة على انكار وجود الوباء في مناطقها، جعل المواطنين يتجاهلون الالتزام بالتباعد الإجتماعي، كما أن احتكار الجماعة للمستلزمات الطبية والتلاعب باسعار المواد الغذائية، فاقم معاناة المواطنين في المناطق الخاضعة لها، خاصة مع كون هذه المناطق هي الاكثر فقراً قياساً بالمدن اليمنية الأخرى.

تشكل البنية الصحية في اليمن تحدياً حقيقياً يعيق امكانية السيطرة على تفشي فيروس كورونا، سواء في المناطق المحررة أو في المناطق الخاضعة لجماعة الحوثي، أو في مناطق المواجهات، فقد تسبب طيران التحالف العربي وقذائف جماعة الحوثي في تدمير القطاع الصحي، بحيث اصبحت أغلب هذه المستشفيات خارج الجاهزية لاستقبال الحالات العادية، مما يجعلها عاجزة عن مواجهة فيروس كورونا، بالإضافة إلى افتقار المستشفيات الحكومية التي حددتها سلطات الحرب كمراكز عزل لأجهزة فحص الفيروس، حيث يبلغ اجمالي أجهزة الفحص في اليمن 6 أجهزة و500 جهاز تنفس اصطناعي، بحسب تصريح وزير صحة السلطة الشرعية، موزعة على بعض مستشفيات في الحواضر اليمنية، كما أن أغلب المستشفيات الحكومية غير مؤهلة لمتابعة الحالات الخطيرة، حيث تفتقر لأجهزة التنفس التي تقتصر على بعض المستشفيات في الحواضر، مما يعني مضاعفة حالات الوفيات، حيث تواجه مدينة تعز الخاضعة للسلطة الشرعية، وباء كورونا بـ6 أجهزة تنفس صناعي فقط، كما أن قلة عدد المستشفيات الحكومية مقارنة بالمستشفيات الخاصة شكل ضغطاً مضاعفاً على قدرتها في التعاطي مع حالات الإصابة، خاصة مع استمرار رفض أغلب المستشفيات الخاصة استقبال حالات الإصابة بالفيروس وتسببها بحالات وفيات لمرضى يعانون من أمراض مزمنة أخرى كمرضى القلب والربو والفشل الكلوي، كما أن تدني مستوى الكادر الطبي المتبقي في اليمن، وذلك بعد هجرة كثير من الخبرات إلى خارج اليمن بسبب الحرب وتوقف الرواتب، تسبب بحالات وفيات جراء خطأ تشخيص حالات الإصابة بالفيروس، فضلاً عن تخوف بعض الأطباء في العمل بالمستشفيات لعدم توفير معدات الحماية، وأخيراً فقدان اليمن للكوادر الطبية والصحية المتبقية بسبب كورونا، حيث توفي ثمانون طبيباً وصيدلانياً في صنعاء وعدن جراء الإصابة بالفيروس.

نتيجة لغياب سلطة سياسية وطنية يمنية ودولة تقوم بمهامها في انقاذ اليمنيين، يعجز اليمنيون عن مواجهة وباء كورونا الذي قد يصيب 16 مليون يمني بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، ومع اعتماد سلطات الحرب على مناعة القطيع في ذروة تفشي فيروس كورونا، واتفاقهم على إعادة تطبيع الحياة، فإن اليمنيين يواجهون تحدي النجاة من الموت جراء فيروس كورونا، إذ لا توجد دولة توفر لهم احتياجاتهم الغذائية مقابل التزامهم بالتباعد الإجتماعي، خاصة مع حالة الفقر المدقع في اليمن واعتماد ملايين اليمنيين على العمل باليومية لسد احتياجاتهم، إضافة إلى عجز سلطات الحرب عن ايقاف التقاليد الإجتماعية المتوارثة في اليمن، كمناسبات الزواج والعزاء التي تمثل عاملاً مساعداً في تفشي فيروس كورونا، كما أن سياسة التعتيم التي اتبعتها سلطة الحوثيين جعلت المواطنين في مناطقها أقل التزاماً باتخاذ احتياطات صحية لمواجهة الوباء، بحيث ضاعف ذلك من حالات الإصابة والوفيات، بالإضافة إلى منع جماعة الحوثي التداول بالعملة الجديدة التي طبعتها السلطة الشرعية في المناطق الخاضعة لها، وتسبب ذلك في مضاعفة معاناة المواطنين، كما أن استمرار تنصل سلطات الحرب اليمنية بعد نقل السلطة الشرعية للبنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن في سبتمبر 2016، عن دفع رواتب موظفي الدولة، واستخدامها كورقة سياسة جعل أكثر من مليون موظف يمني مع أسرهم يفتقرون لتوفير مسلتزمات الحياة اليومية البسيطة.

 في اليمن، بلد الحرب والأوبئة، تكتمل تراجيديا الحياة اليومية بين القتل المجاني والجوع والأوبئة، إذ لم يكن تفشي فيروس كورونا سوى لافتة جديدة للموت الذي ظل يحصد أرواح اليمنيين منذ خمس سنوات، وإن كان من المتحمل تسببه بوفيات قد تفوق ضحايا الحرب في اليمن من المدنيين والمقاتلين، مع تجاهل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية انقاذ اليمنيين، والتوقف عن المتاجرة بمعاناتهم، إذ عليها أن تضغط على السعودية والإمارات لتأهيل القطاع الصحي الذي دمرته، وكذلك توفير اجهزة الفحص، واجبار سلطات الحرب على تنسيق مواردها وامكانياتها لتطويق الوباء، وقبلها دفع القوى المتحاربة في اليمن وداعميهم الإقليميين إلى وقف ماكينة الحرب التي تقتل اليمنيين، ومن ثم منحهم حقهم المشروع في حياة آدمية التي صادرها المجرمون.